نسب قبيلة الشحوح

نسب قبيلة الشحوح

يقول المؤرخ العماني سالم بن حمود السيابي في كتابه إسعاف الأعيان في أنساب أهل عٌمان ما يلي : ((ومن الأزد بعمان ، الشحوح ، وهم من لقيط بن الحارث بن مالك بن فهم ، وهو الملقب عند أهل عٌمان (شح) حين شح بالصدقة في خلافة أبي بكر الصديق (رض) وبسببه كانت وقعة دبا وهي من الوقائع الكبرى . والشحوح هم أولاد لقيط المذكور وهو المعروف بذي التاج أي أنه أدعى الملك بعمان له وتلقب ذي التاج . ومنازل الشحوح بالساحل الشمالي من عمان غير مجهولة ، وهم كثيرون بالنسبة إلى جيرانهم من القبائل الأخرى ، منتشرون بتلك الأطراف من خصب إلى رأس الخيمة إلى الجبال المعروفة بجبال الشحوح المتصلة بسلاسل الجبال المرتفعة باتصال إلى وادي العور وتمتد إلى البريمي وسمي ذا التاج كما قلنا ، لأنه ادعى الملك عن بقية أولاد مالك بن فهم . ومنهم الشيخ العلامة الفقيه الدراكة كعب بن سور أو ابن سوار قاضي عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه على البصرة ولاستقضائه سبب يذكره المؤرخون)) ويستدرك السالمي عند الكلام عن لقيط في هامش الصفحة 101 من الكتاب فيقول : في هامش الأصل قلت : إن في هذا نظراً لما بين لقيط بن الحارث وأيام خلافة الصديق رضي الله عنه من المدة الطويلة التي تعد بمئات السنين بل بالألوف ، فلعل الملقب بهذا اللقب غيره ، أو كان المسمى بهذا الاسم غير ابن الحارث المذكور والله أعلم ويستطرد السالمي قائلاً : ونقول : مالك بن فهم مات نحو 480 قبل الهجرة ، وهو جد لقيط المذكور فلا معنى لقوله : بل بالألوف ، هذا إلى أنه قد يكون المراد أن لقيط بن الحارث شح بالصدقة ، أي هذا البطن من سلالته لا غير خلافاً لبقية البطون . وفي الصفحة 103 يدافع السالمي عن الشحوح ويرد الاتهام القائل بأنهم قد ارتدوا في عهد أبي بكر الصديق ، وهو الموضوع الذي سنناقشه فيما بعد . اذن فنحن الآن أمام ثلاث نقاط للمناقشة : النقطة الأولى : نسب الشحوح من الحارث بن مالك بن فهم والنقطة الثانية : قصة مدينة دبا والملك لقيط الملقب بذي التاجين ومن (شح) هناك بالزكاة ، وهي القصة التي نعتها بعض المؤرخين بأنها ردة . أما النقطة الثالثة فهي الرد على قصة الردة ومناقشة تلك الردود . النقطة الأولى : نسب الشحوح من الحارث من مالك بن فهم الحارث هو ابن مالك بن فهم . ومالك بن فهم هو الزعيم الأزدي اليماني الذي قاد قبيلة الأزد وهاجر بها من اليمن إلى خارجه إثر انهيار سد مأرب . وقد ناقشنا موضوع هجرة الأزد من اليمن في كتابنا (المفصل في تاريخ الإمارات العربية المتحدة – ج1) فقلنا : اتفق معظم المؤرخين العرب بأن عرباً من الأزد من أهل اليمن بقيادة مالك بن فهم الأزدي هاجروا من اليمن إثر انهيار سد مأرب وتوجهوا نحو الشمال إلى أن وصلوا إلى البحرين أي أرض الإحساء والقطيف في المملكة العربية السعودية الآن ، وهناك التقوا بعرب آخرين من تهامة بقيادة زعيم اسمه مالك بن زهير فالتقى مالك بن فهم مع مالك بن زهير ، وأناخا ومعها قومهما الإبل في البحرين وأقام الجميع فيها فصارت تسميتهم بالتنوخين . ثم تزوج جذيمة بن مالك بن فهم من ابنة مالك بن زهير وبعدها ارتحل القوم نحو ريف العراق فسكنوه وحكموا هناك فصار مالك بن فهم ملكاً على العراق إلى أن مات ثم خلفه على العرش ابنه جذيمة الأبرش الملقب بجذيمة الوضاح أيضاً . يخالف هذه القصة بعض الشيء المؤرخ أبو المنذر هشام بن محمد السائب الكلبي المتوفي عام 206 للهجرة ، فيقول إن مالك بن فهم لم يذهب للعراق بل عاد ومعه قومه إلى عٌمان بعد أن اختلف مع بقية الأقوام التنوخية المتحالفة لسبب تافه وأنه عندما وصل عٌمان وجد أن الفرس يحكمونها وأن حاكمها كان مرزباناً فارسياً فقاتله مالك بن فهم الأزدي قتالاً شديداً انتهى باندحار المرزبان الفارسي فأصبح مالك بن فهم ملكاً على عٌمان . وكان لمالك ولد اسمه سليمة حرص على تربيته وتنشئته نشأة عسكرية فكان يدربه على القتال وعلى استعمال القوس والنشاب . ولكن الأمر انتهى بأن قام سليمة بقتل والده مالك خطأ وبدون قصد برمية سهم . فلما وقع مالك بن فهم صريعاً أنشد قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة : أعلمه الرماية كل يوم فلما اشتد ساعده رماني وذهبت مثلاً بين العرب وقد بكاه ولده سليمة ورثاه الشعراء ونعتوه باسم الشهيد أبي جذيمة . أما مؤرخو عمان مثل الأزكوي في كشف الغمة وابن رزيق في الشعاع الشائع باللمعان والسالمي في تحفة الأعيان فقد وقعوا في التباس عندما ذكروا أن مالك بن فهم عندما عاد أدراجه التقى بمجمع البحرين بالنبي موسى عليه السلام وأنه هو الخضر عليه السلام صاحب موسى ووقع بينهما ما وقع . ومن البديهي أن هذا خلط في الأحداث والسنين حيث أن زمن النبي موسى عليه السلام يعود إلى 1200 عام قبل ميلاد المسيح أما قصة الحلف التنوخي فقد حدثت بعد ولادة المسيح عليه السلام . وعند دراستنا الوقائع والآثار رجحنا أن تكون قصة مالك بن فهم وهجرة الأزد قد تمت على النحو التالي : هاجر مالك بن فهم الأزدي من اليمن إثر انهيار حدث في سد مأرب ، وجاء السيل العرم الذي ورد ذكره في القرآن الكريم . وعندما ترك مالك أرض اليمن ونزح عنها سار بقومه متجهاً نحو حضرموت فنزل في واد يسمى وادي برهوت وهو وادٍ تسكنه أرواح الملائكة والجن ، ومن ذلك الوادي اتجه غرباً حيث دخل أرض عمان التي كان الفرس يملكونها على أيام أردشير الأول فاصطدم مالك بالفرس وتمكن من إنزال هزيمة بهم ، فهرب المرزبان فاستلم السلطة مالك بن فهم وأودعها ولده سليمة ، فصار الأخير ملكاً على عٌمان ويبدو أنه بقي فترة في عمان تزوج فيها امرأة عمانية فولدت له ولدين هما : هناءة والحارث . فتركهم هناك وأخذ ولده الآخر جذيمة واتجه بقسم من قومه شمالاً وأناخ في البحرين ، والتقى هناك بمالك بن زهير زعيم عرب تهامة حيث تم عقد الحلف التنوخي وبعدها توجه القوم شمالاً نحو ريف العراق وسهول سوريا . وفي العراق صار مالك بن فهم ملكاً ولما مات خلفه ابنه جذيمة وعلى هذا فيكون مالك بن فهم ومعه الأزد قد ملكوا العراق وعٌمان يذكر لنا العلامة ابن حزم الأندلسي في جمهرة أنساب العرب أن أولاد مالك بن فهم أحد عشر ولداً وقيل اثنا عشر ولداً وهم : طريف ونوى وعوف وهضم شبابة وعمر وثعلبة وسليمة وجذيمة وهناءة والحارث . اشتهر من هؤلاء الأولاد أربعة وهم : سليمة ملك عٌمان جذيمة ملك العراق هناءة الذي ينتسب إليه الرهط الهنائي الكبير في عمان الحارث وإليه ينتسب الشحوح والذي يهمنا من هذا النسب هو مناقشة موضوع الحارث ، قال السالمي وهو يناقش هذا الموضوع إن ممن ارتد وانشق من أهل عٌمان كان لقيط بن الحارث بن مالك بن فهم ويقول إن هذا غير معقول حيث أن هناك فترة زمنية كبيرة بين لقيط بن الحارث بن مالك بن فهم . وبين وفاة الرسول (ص) وولاية أبي بكر الصديق ثم قصة ردة دبا . ورأي السالمي صحيح إذا تصورنا أن انهيار سد مأرب حدث عام 450 بعد الميلاد وفيه هاجر مالك بن فهم إلى عمان وأن ردة دبا حدثت عام 11 للهجرة النبوية وهو الموافق لعام 632م فيكون الفرق حوالي 182 عام وهي فترة زمنية غير معقولة أن يكون قد تسلسل فيها إلى زعامة دبا الحارث بن مالك بن فهم ثم ولده لقيط من بعده . ويبدو الأمر أكثر غموضاً إذا تتبعنا نسب أحد رجال الشحوح الشهيرين وهو القاضي كعب بن سور الذي تولى القضاء في البصرة على عهد عمر بن الخطاب (رض) وقتل في واقعة الجمل فهو كعب بن سور بن بكر بن عبد بن ثعلبة بن سليم بن ذهل بن لقيط بن الحارث بن مالك بن فهم . فإذا كان لقيط قد ظهر اسمه عام 11هـ وأن واقعة الجمل التي قتل فيها كعب بن سور حدثت عام 36هـ وأن الفرق بين وفاة لقيط وموت كعب خمس وعشرون سنة فكيف يعقل أن يظهر فيها ستة أحفاد . وهناك ملاحظة أخرى في قصة لقيط ، وهي أن اسمه لم يذكر عند الطبري أو عند ابن الأثير بأنه لقيط بن الحارث ، بن مالك بن فهم بل ذكروه لقيط بن مالك الأزدي . في تصوري أن الاسم هذا “لقيط” أطلقه عليه المؤرخون إثر حادثة واقعة دبا (ولا يمكن أن اسميها ردة دبا حيث سنناقش أمرها فيما بعد) وهم نسبوه إلى الحارث أو إلى مالك أو الأزد . . الخ . كما اعتاد العرب والناس جميعاً الانتساب لجدٍ من الأجداد كأن يقال محمد بن علي بن عبدالله الشحي ، يختصر الاسم إلى محمد آل علي الشحي وهكذا وبكل الأحوال فإننا نخلص إلى القول إن نسب الشحوح الأصيل يرقى إلى الحارث بن مالك بن فهم بن غنم بن دوس الأزدي ، فهم عرب أقحاح من الأزد . المرجع :- استناداً لكتاب فالح حنظل كما يقول فالح حنظل لم تكن مهمة البحث سهلة إذ كما قلت فإن المصادر الكتابية عن الشحوح تكاد تكون معدومة اللهم إلا بعض النتف القليلة من أخبارهم التي وردت في كتاب دليل الخليج لمؤلفه البريطاني لوريمر . وهي أخبار لا تشفي الغليل لمستزيد في المعرفة وبلوغ الحقيقة . أما الروايات الشفهية فهي كثيرة ومتنوعة إلا أنه يعتريها التناقض وانعدام الرؤية الواضحة في كثير من الأحيان . وعلى كل حال فقد بدأت دراستي وبحثي بقصة مدينة (دبـا) العاصمة الشحية المطلة على البحر العربي وقصة ملكها لقيط ذي التاجين ، وما حصل فيها من أمور اشتبهت على البعض بأنها من أمور الردة . فكانت تلك القضية المفتاح والمدخل للبحث ، فلقد تمكنا وبعون من الله أن نجد أول الأدلة الثابتة الكاملة للنسب العربي للشحوح بظهور اسم قبيلة (بني جديد) الشحية على صفحات التاريخ العربي وذلك عند الطبري صاحب تاريخ الرسل والملوك وكذلك عند ابن الأثير في الكامل في التاريخ . كما أتحفنا ياقوت الحموي في معجم البلدان بسر تسمية (الشحـوح) وتبين أن هذه التسمية أطلقها سيدنا عمر بن الخطاب (رض) على أهالي مدينة دبا حينما برأهم من شبهة الارتداد عن الإسلام ثم سرت في طريق البحث ورحت أبحث أكثر عن الموضوع فنقلت أخبار مدينة دبا من كتاب تحفة الأعيان بسيرة أهل عٌمان لشيخ مؤرخي عٌمان المغفور له أبي محمد عبدالله بن حميد بن سلوم السالمي أما عن نسب الشحوح فقد جاء ذكره عند المؤرخ العماني سالم بن حمود السيابي صاحب كتاب إسعاف الأعيان في أنساب أهل عٌمان وفي فصل من اشتهر من رجال الشحوح في فجر الإسلام ، فقد أعطانا ابن حجر العسقلاني في كتابه الإصابة في تمييز الصحابة أخبار كعب بن سور والمهلب بن أبي صفرة وكلاهما من رجال (دبـا) الذين كان لهم ذكر في أيام الإسلام الأولى . أما بالنسبة للتاريخ العام للشحوح ، فما استطعت أن أحققه إلا بعد اتضاح أسماء شيوخهم ووجهائهم في الرسائل التي تمكنا من الحصول عليها والفترة التاريخية التي ظهروا فيها ، ومقارنة تلك الفترة بالأحداث التاريخية في عٌمان ومنطقة الإمارات وهي الأحداث التي أوردها السالمي في المصدر السابق كما أوردها المؤرخ العٌماني حميد بن رزيق في كتابه الفتح المبين في سيرة السادة البوسعيديين . أما المصادر البريطانية فلا زال على قمتها كتاب دليل الخليج لمؤلفه الدبلوماسي البريطاني جي جي لوريمر . وقد قام البروفسور كيلي في كتابه بريطانيا والخليج بإعطاء بعض الإيضاحات عما جاء في دليل الخليج . أما الدكتور محمد مرسي عبدالله ، فقد أفرد لنا بعض الصفحات التوضيحية عن أخبار الشحوح في كتابه الذي صدر باللغة الإنجليزية باسم الإمارات العربية – تاريخ حديث – وقد تم ترجمة الكتاب فيما بعد إلى العربية بعنوان الإمارات العربية وجيرانها .